الذكاء الاصطناعي واستراتيجية عالمية للحوكمة
فيما يلي عرض شامل — لكن موجز — للوضع الحالي، والتحديات، والفرص، والخطوط العريضة لاستراتيجية عالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي (AI). إذا تحب، يمكننا لاحقاً التركيز على توصيات خاصة للمنطقة العربية أو مصر.
1. لماذا نحتاج إلى حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي؟
- التطوّر السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي يجعلها تؤثّر على الاقتصاد، المجتمع، الأمن، الحقوق الأساسية — بما يتجاوز حدود الدول.
- بعض المخاطر العالمية تتضمّن: الاستخدام في الرقابة والمناطق الأمنية، التحيّز، خوارزميات تُحدِث تغييرات اجتماعية كبيرة، تركيز القوة التقنية في يد عدد قليل من الشركات أو الدول. (“المخاطر النظامية”) حوكمة على المستوى الوطني وحده لا تكفي، لأن البيانات، النماذج، التطبيقات، سلسلة الإمداد التقنية غالباً ما تكون عبر الحدود. لذا هناك حاجة لإطار تنسيق دولي أو عالمي. فضلاً عن ذلك، ظهور مبادرات دولية مثل Global Partnership on Artificial Intelligence (GPAI) التي تسعى للتعاون بين الحكومات والقطاع الخاص للمساهمة في التوجيه. (ويكيبيديا)
2. المبادئ الأساسية التي غالباً ما تُطرح في إطار الحوكمة العالمية
- الشفافية: المعرفة بكيفية عمل النماذج واتخاذ القرارات.
- المساءلة: وجود جهة مسؤولة عن الأفعال أو النتائج.
- العدالة والمساواة: تجنّب التحيّز والتمييز في النماذج.
- السلامة والموثوقية: أن تكون النماذج تحت تحكّم بشري، يمكن تفسيرها، ومُراجعة مخاطرها التعاون الدولي والمشاركة: إشراك الدول النامية، والمساواة في الوصول، وعدم احتكار التكنولوجيا.حماية الحقوق الأساسية: الخصوصية، الحق في التفسير، حقوق الإنسان.
3. أبرز المبادرات والإطارات الحالية
- خطة العمل العالمية للحوكمة — Global AI Governance Action Plan التي طرحتها الصين في 2025 بمشاركة دول وشركاء. تنص على عدد من المبادئ مثل السيادة الوطنية، الإنصاف، التعاون الدولي.الإطار التشريعي في EU Artificial Intelligence Act الذي دخل حيز التنفيذ ويُعدّ من أكثر التشريعات طموحاً في هذا المجال.
- مقالات أكاديمية تُحلّل الفجوة في الحوكمة العالمية وتشير إلى أن هناك “نقصاً في النظام العالمي” الفعّال حتى الآن.
4. التحديات الكبرى أمام استراتيجية فعالة
- تنوّع الأُطر التنظيمية بين الدول — اختلاف أولويات الأمن، الحقوق، الاقتصاد، التقنية. مما يصعّب الوصول إلى توافق عالمي.
- النفوذ والقدرة التقنية: دول أو شركات تهيمن على البنية التحتية أو النماذج قد ترفض التقيّد الكامل بقواعد عالمية.
- الربط بين المبادئ والتنفيذ: حتى عندما تتبنّى الدول مبادئ، التطبيق والمتابعة غالباً ضعيفان أو يختلفان بشدة.
- فجوة رقمية بين الدول المتقدمة والدول الناشئة: الوصول إلى البنية التحتية، الخبرة، والبيانات المختلفة.
- سباق الابتكار والتنافس الاقتصادي: بعض الدول قد تخفّف التنظيم لتكون في الصدارة التقنية، مما يُضعف الجهود الدولية الموحدة.
5. عناصر استراتيجية عالمية مقترحة (خطوط عريضة)
إليك ما يمكن أن يشكّل “استراتيجية عالمية” متكاملة لحوكمة الذكاء الاصطناعي:
أ) بناء إطار تشاركي دولي
- إنشاء هيئة دولية أو منتدى مفتوح للحوار، يشمل دولاً كبرى وصغرى، القطاع الخاص، المجتمع المدني، والأكاديميا.
- إقرار مبادئ عالمية مشترَكة (العدالة، الشفافية، السلامة، حقوق الإنسان).
- توفير قناة لتنسيق السياسات الوطنية والإقليمية.
ب) التصنيف وإدارة المخاطر حسب درجة الذكاء الاصطناعي والتطبيقات
- وضع «فئات» للمخاطر: تطبيقات منخفضة المخاطر عالية المخاطر، وتعريف التزامات لكل فئة. (مبدأ «نهج المخاطر»).
- متطلبات لكل فئة: تقييم الأثر، الشرح، التقارير، رقابة ما بعد النشر.
ج) المعايير التقنية، الشهادات، التدقيق
- تطوير معايير فنية مشترَكة (مثلاً: قابلية التفسير، الأمان، جودة البيانات).
- آليات تدقيق وشهادات للأنظمة عالية المخاطر أو المنظمات التي تطوّر نماذج واسعة.
- بنية تحتية للمراجعة بعد النشر أو وقوع الحوادث.
د) دعم الدول النامية والبنية التحتية
- توفير الموارد، التدريب، والتكنولوجيا للدول التي لم تبنِ بعد القدرات الكافية.
- ضمان أن تنفيذ الذكاء الاصطناعي لا يزيد الفجوة الرقمية بل يُقلّلها.
هـ) تعزيز الشفافية والمساءلة
- حقوق الأفراد: معرفة متى تُستخدَم الذكاء الاصطناعي ضدهم، حق الطعن، كشف الخوارزميات.
- بيانات مؤسّسات: الإفصاح عن النماذج، تدريبها، القوى البشرية المشرفة.
- آليات للعقاب أو التصحيح في حال الأضرار أو الاستخدامات الضارة.
و) الابتكار المسؤُول
- تشجيع الابتكار في نفس الوقت مع الحذر: توفير «مناطق تجريبية» (sandboxes) تحت إشراف تنظيمي.
- ربط سياسات الحوكمة بحوافز للابتكار الأخلاقي والمسؤول.
ز) مراقبة التطوّرات والتحديث المستمر
- التكنولوجيا تتطوّر بسرعة، لذا الإطار يجب أن يكون مرناً وقادراً على التحديث.
- عمل مؤشرات تقييم، بيانات مراقبة، تبادل معلومات بين الدول والجهات التنظيمية. (على سبيل المثال، AGILE Index لتقييم قدرات الحوكمة).
6. ماذا يعني هذا لمنطقة الشرق الأوسط/شمال أفريقيا ومصر؟
- الدول في المنطقة يمكن أن تستفيد من الانضمام أو التفاعل مع الأطر الدولية، بحيث تكون جزءاً من وضع المعايير لا مجرد متلقٍ.
- الحاجة قوية لبناء القدرات الوطنية: تشريعات، مراكز بحث، تدريب، بنيّة تحتية.
- التعاون الإقليمي (على مستوى الوطن العربي أو أفريقيا المتوسطية) يمكن أن يعزّز الموقف في المحافل الدولية.
- من المهم أن تُصمم السياسات المحلية بحيث تحترم الخصوصية، الثقافة، الحق في التنمية، مع الاستفادة من الفرص الاقتصادية لتقنيات الذكاء الاصطناعي.