الذكاء الاصطناعي يتوعد بشرية الإنس ويفرض ثقافة أخرى

توضيح مفهوم الذكاء الاصطناعي
يعلم العلماء الذكاء الاصطناعي بأنه عدد من التجارب النظرية والتكنولوجيا التي تمرح في تعديل البرامج المعلوماتية المعقدة القادرة على محاكاة الذكاء الآدمي، لا سيما في أهم شكل وجهه الإدراكية، كالتعقل والاستدلال والبرهنة والتعلم والتدرب. وبذلك، يتجسد الذكاء الاصطناعي في أنظومات معلوماتية تكنولوجيا تتقلد الذكاء الآدمي، وتستخرج منه منطق آلياته وعملياته ومساراته التطبيقية، حتى يمكن لها أن تنجز المهمات الموكلة إليها، وتغير للأحسن من أدائها تحسيناً مستنداً إلى منطق التتابع التطويري. تتفاوت حقول تأدية الذكاء الاصطناعي بحيث يعثر فوق منه المرء في الأجهزة المؤتمتة (automatisation) العاملة بدفع أتوماتيك ذاتي، وفي عتاد التعلم الذاتي، وفي الروبوتات التلقائية الحركة، وفي الكمبيوترات المتبصرة في مساراتها التدقيقية، وفي المركبات والمركبات والناقلات المستقلة الحركة، وفي الأنظمة اللغوية الرقمية المجردة

من منجزات الذكاء الاصطناعي

خطا الذكاء الاصطناعي خطوات خارقة في السنين الأخيرة، حيث تمَكّن في سنة 2017 أن يقوم بالتعرف على نمازج المفردات التي يتم تداولها في الحوار، مثل الكثير الذهن الآدمي الذي يفهم معنى الكلمات المستخدمة في الخطبة. أما الخطوة الجبارة، فأنجزها ذاك الذكاء حين تعدى إمكانيات الإنسان في اختبار القراءة الذي أجرته جامعة ستانفورد في سنة 2018، بحيث إستطاع من أن يتفاعل والكائنات الإنسانية تفاعلاً فطناً صائباً جعله يزودنا البيانات اللازمة الهادفة في صورة طبيعية عفوية مناسِبة. حدا ذاك الإنجاز بنائب المدير التنفيذي في مؤسسة “مايكروسوفت” هاري شوم (Harry Shum) إلى البيان الخطير: “من الأكيد أنه يقتضي أن نحب الذكاء الاصطناعي! عقب البصر في مختلف الأشياء، نسأل: ما خلاف الذكاء الاصطناعي؟ الجواب: الحماقة الطبيعية”. ليس في ذلك الجواب من حرج أو إرباك، حيث يتصور صاحبه أن ذلك الذكاء أثبت فعاليته في كل ساحات الإصدار الآدمي، الصناعي والتجاري والطبي والإداري والرياضي والفني والهندسي والعسكري.

ولكن الموضوع الأخطر تنبع من الاستعلام الذي ساقه عالم الرياضيات مؤسس المعلوماتية العلمية الإنجليزي حالا تورينغ (1912-1954): هل يمكن لها الماكينة أن تفكر؟ قياساً على ذلك السؤال، تنفيذ الناس يتحرون إمكانات الذكاء الاصطناعي في حقل الدراية والضمير، هذا بأن الإنسان كائن مرتكز على تواطؤ ضمة من المؤهلات المادية والإدراكية والشعورية. فالإنسان يعي على يد فكره، ويشعر عن طريق وجدانه، ويجمع الفعلين على يد وعيه الذي يؤهله لتناول نفسه المدركة والحاسة. وبذلك، فإن الدراية أوسع من الإلمام والإحساس وأشمل منهما وأعظم.
اعتقد الفيلسوف الألماني لايبنيتس (1646-1716) أنه باستطاعته أن اختراع حساب يفكر (calculus rationator) مرتكز على تشريع طفيف يحكم أن ننسب إلى كل مفهوم رقماً من الأرقام. لاشك في أن الابتكار الذهني ذاك أثر تأثيراً بالغاً في التجهيز التصاعدي الذي أدى إلى اختراع الذكاء الاصطناعي. إلا أن لايبنيتس الذي كان يأمل في ابتكار لغة حسابية كونية تعالج جميع المسائل، رجع فاستدرك معلناً أن تلك الأسلوب والكيفية لا يمكن لها أن تتحسن تطوراً سليماً، حيث لا يمكنها أن تتدبر إشكالية الترابطات الشائكة المعقدة بين المفاهيم المشرعة الهوية والمدى.
من المحتمل يمكنه الذكاء الاصطناعي أن يحل دكان الذكاء الإنساني (الدراية)، إلا أنه لن يقوى على الإجابات حانوت الشعور (الضمير) المتعلق بالجسدية البشرية، ومحل التناول الجامع الشمولي (الإدراك) الذي يفتقر تناصر عدد من المكونات الجسدية العضوية والدماغية العصبية لا يشتمل فوق منها الذكاء الاصطناعي في الجهاز الروبوتي المؤتمت، بيد أن العلماء يميزون الذكاء الاصطناعي الهش من الذكاء الاصطناعي الشديد، فيعاينون في الـ2 مستقبل الآدمية التي تفتش عن تعدى انعطابات البنية الجسدية والذهنية.

إمكانات التخابر الوظيفي بين الذكاء الاصطناعي والوعي البشري

لا ريب في أن مثل ذلك الفحص لم يستحسنه العلماء الذين يناصرون مبدأ التماثل بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الإنساني. يؤكد عالم الحاسوب المساهم في إستحداث مجرب الذكاء الاصطناعي في معهد ماساشوستس التكنولوجي (MIT) مارڤن مينسكي (1927-2016) أن رودجر بنروز ينفي كل وجوه الشبه بين الذكاءين، وينكر أن يكون الفكر الآدمي منعقداً على بنية طفيفة خاضعة لمنطق الفحص العلمي. على عكس ذاك، يصر مينسكي، في كتابه “الماكينة الانفعال: تفكير الحس المشترك والذكاء الاصطناعي ومستقبل العقل الآدمي” (The Emotion Machine. Commonsense Thinking، Artificial Intelligence and the Future of the Human Mind)، حتّى الكائنات الإنسانية، رغم أنها آلات معقدة التجميع والوظيفة، تخضع للقوانين الفيزيائية التي يمكن لها أن تتحسن تطوراً مدهشاً يجعل الروبوتات تحتضن استثارات الخلايا العصبية في أقوى تعقيداتها إعضالاً واستعصاء وإرباكاً. وأعلاه، فإن الاختلاف الأوحد بين الكائنات الإنسانية والروبوتات الماهرة يقوم في أن تلك الكائنات آلات ينبع ذكاؤها من التفاعل الحر بين مركبات دماغية شتى غير ماهرة لا تستمتع سوى باستقلال نسبي. في إثر التقدم العلمي المدهش، ستصبح هذ الروبوتات أذكى من أغلب الناس، بحيث يمكنها أن تنشئ بذكائها روبوتات عصرية تتخطى إمكانياتها ذكاء الإنسانية برمتها.

الذكاء الاصطناعي يتوعد بشرية الإنس ويفرض ثقافة أخرى