كليا مثل اختراع الورق والطباعة والفولاذ والعجلات، يعتبر الذكاء الاصطناعي الذي يعول على الكمبيوتر تقنية ثورية، تستطيع أن تغيّر الأسلوب والكيفية التي نعمل بها، وأسلوب لعبنا. وقد شرعت تلك التكنولوجية فعليا في إحراز تغييرات بأشكال قد لا نلاحظها.

وأفاد الكاتب جون ميلر، في توثيق نشرته جرنال “الولايات المتحدة ماغازين” الأميركية، بأنه فيما تضخ العدد الكبير من المؤسسات فقط مثل فيسبوك وآبل وغوغل مليارات الدولارات لتحسين قطاع الذكاء الاصطناعي، ثبت ميدان أكاديمي حديث يعنى بالجانب الأخلاقي لتلك التكنولوجية. ويتمثل المقصد من خلف هذا في دراسة التبعات المعنوية لذلك التقدم، واحتواء الضرر الذي قد يحدثه، وسداد مؤسسات التكنولوجيا إلى تضمين المبادئ الاجتماعية، مثل تقدير ومراعاة الميزة والإنصاف، في مخططاتها التجارية

وفي ذلك التوجه، أفاد براين غرين، المحقِّق في مبادىء الذكاء الاصطناعي بجامعة سانتا كلارا في كاليفورنيا، إن “الكثير من الأفراد قد استرعى انتباههم فجأة البقاء بعيدا الأخلاقي لتلك التقنية بعدما أدركوا أن لها تبعات خطيرة، مع الأخذ في العلم أن تلك التكنولوجية تعتبر أضخم نمو عرفته الإنسانية منذ اكتشاف النار”

أسئلة أخلاقية مطروحة
في الأثناء، ما زالت هنالك الكثير من الأسئلة الأخلاقية المطروحة في الصدد من قبيل: هل نسمح مثلا لشركات التكنولوجية بجمع وتحليل الحمض الذري للأشخاص، وبيع تلك المعلومات لشركات صناعة العلاج بهدف إغاثة الأرواح؟ وهل على الأرجح تعديل برمجية تتخذ الأحكام بخصوص عقود توفير الحماية على الحياة والموافقة على تقديم القروض؟ وهل ينبغي على الحكومات تجريم لوازم الربوت التي تتيح الخدمات الجنسية للإنسان بأسلوب يحاكي الواقع؟ وكم يلزم أن نقوم باستثمار في تلك التكنولوجية التي كانت سببا في ضياع ملايين الناس لوظائفهم

وفي حزيران/يونيو المنصرم، اتخذت مؤسسة غوغل خطوة لتجربة طمأنة رأي المجتمع والمسؤولين عن طريق عرَض لائحة بسبعة مبادئ تنظم استغلالها للذكاء الاصطناعي. وقد نصت المبادئ حتّى تلك التقنية يقتضي أن تكون هادفة اجتماعيا، وأن لا تأخذ دورا في تدعيم الانحياز والظلم، وتكون مجددة ومختبرة من إذ مقاييس السلامة، وخاضعة للمحاسبة من قبل الإنسمثلما تحترم ميزة الشخصيات، وتحتوي أعلى مقاييس التفوق العلمي، وتكون متوفرة للاستغلال على حسب كل تلك المبادئ.

من جهته، كتب المحترف في مبادىء الذكاء الاصطناعي تاي وان كيم مقالا نقديا إثر أصدر لائحة غوغل، شدد على يده أن تلك المنشأة التجارية، وعلى الرغم تعهدها بإجلال تلك المبادئ السبعة، من الممكن أن تستغل القوانين المحلية لصالحها في عدد محدود من البلاد والمدنفمثال على ذلك، إذا سمحت الصين باستغلال الذكاء الاصطناعي لانتهاك حقوق وكرامة البشر، لن تتوانى غوغل في القيام بذاك الموضوع.

إلا أن المنقبين في مبادىء الذكاء الاصطناعي يقولون إن الثورة التكنولوجيا الجارية متنوعة على الإطلاق، لأنها الأولى من صنفها التي تتضمن إحتمالية بدل إتلاف الإنسان في المهمات الفكرية. ومن الممكن أن يخلق ذلك المسألة إشكالية بطالة مستدامةمن جانبه، يشاهد كيم أن الحل الاستثماري لمشكلة البطالة يندرج في تصديق الكسب الضروري الدولي، أي تجزئة مبالغ مالية على كل مواطن. إلا أن ذاك الحل لا يأخذ بعين الاعتبار متشكلة عيش الواحد بلا نشاط مفيد في الحياة، وهو الذي تمثله المهنة فيما يتعلق له.
وفي التوجه نفسه، شدد كيم أن الملكية لوحده غير كاف حتى يكون لحياتنا قصد، لأن الجهد يمنحنا أشياء أخرى مثل الانتماء للمجموعة واحتمالية تحديث الشخصية، وتحقيق الكرامة واكتساب المعارف الثقافية. غير أن، بغض البصر عن قوة تلك المبرر المرتبطة بتكلفة الجهد، سوى أنه ما دام أن مجتمعاتنا محكومة بالرأسمالية، سوف يكون الإنسان الآلي أكثر جاذبية في وجود تمكنه على المجهود على نحو متعجل وأصغر قيمة.

العربات ذاتية الريادة
وأورد الكاتب أن واحدة من أهم الوظائف انتشارا في أميركا متمثلة في زعامة وسائط النقل. وفي الزمان المتواجد، باتت المركبات والشاحنات ذاتية التقدم تهدد وظائف الملايين من سائقي مركبات الأجرة والشاحنات. وعلى الرغم أننا لا نزال على حتى الآن عشر أعوام على أقل ما فيها من اليوم الذي تكتسح فيه المركبات ذاتية التقدم شوارعنا، تمثل وسائط النقل جزءا هاما من الحياة الجديدة، وأي تحويل فيها سيؤثر بشكل ملحوظ على مجتمعاتنا.

وتعجبَ الكاتب عن مقال باتت تثار بخصوص اكتساح الذكاء الاصطناعي مجال النقل، ألا وهي طبيعة القرارات التي قد تتخذها هذه التكنولوجيا في الحالات المعقدة والحرجة. فإذا واجهت حافلة معبأة بالركاب موقفا خطيرا في الطريق، وتوجب فوق منها الاختيار بين حراسة وحفظ مسارها وقتل مجموعة من الشخصيات، أو تغييره وقتل طفل صغير شخص مثال على ذاك، كيف لها أن تختار الأمر التنظيمي الأنسب.
ويحتسب الكاتب أن هذه الأمر معقدة للغاية، ولن تنشأ أي خوارزميات يمكنها حلها بالنظر لكمية الخسائر البشرية التي على الأرجح أن تنبع عن كل اختيار. فكيف يمكن إقناع فرد يركب دراجة أن منظومة التحكم الآلي في عربة النقل اختار دهسه وقتله، حتى لا يتعرض ركاب الشاحنة لحادث يؤدي إلى لهم إعاقات دائمة؟
من جانبه، يعتقد فطن ومتمرس العربات في مؤسسة غارتنر للأبحاث والاستشارات مايك رامسي أن هنالك مشكلا أحدث لا يقل خطورة عبارة عن فرضية برمجة الذكاء الاصطناعي لخرق القوانين على باتجاه متعمد. فهل سيكون مقبولا أخلاقيا إجبار الحاسب الآلي على حمد ورعاية الحد الأقصى للسرعة، متى ما تكون كل العربات الأخرى بخصوص تخطى ذاك الحد؟

المعضلة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي.. هل سيقف الإنسان مكبلا في مواجهة التكنولوجية؟